نحن في هذا الإقليم البائس مرة أخرى في مجرد أوراق يُنفخ بها فتتحول إلى هاشتغات يعقبها سجالات وتداس خلالها سيادة بلد بقدم جنرال لا يجيد اللبنانيون لفظ اسمه، ويقفز علينا في صفحاتنا الراحل المحتفى بشهادته بفيديو يقول فيه بالعربية وبلهجته الخرسانية، على ما كتب ابن عمتي على صفحته: “يقيناً كلو خير”…
تعي طهران أهمية موقع البلقان الاستراتيجي كونه يوفر لإيران نقطة عبور إلى وسط أوروبا وغربها، ما يشير تعبير المراقبين إلى أن “طهران عملت بهدوء على جعل تلك المنطقة مسكونة بأشباحها عبر العقود الثلاثة الماضية، وكأنها كانت ترتِّب أوراقها في غفلة من أوروبا ووكالات استخباراتها.”
نجحت إيران ومنذ سنوات في التغلغل في أوروبا من دون أن تثير حساسية أجهزة استخبارات دول الاتحاد. هذا التمدد حصل في إطار استراتيجية القوة الناعمة، التي تهدف إلى تثبيت نفوذها …
لن يكون غياب قاسم سليماني مجرد خسارة للنظام الإيراني فحسب، بل هو خسارة أيضاً لمن على شاكلة بشار الأسد وحسن نصر الله، الذين اعتمدوا عليه في الماضي لضمان بقائهم.
الأرجح أن رد طهران لن يكون وشيكاً، لا بل أن عبارة “المكان والزمان المناسبين” توحي بأن لا رد الآن، لكن طهران تجيد الاستثمار في “الجفلة” التي يُحدثها الخوف من ردود الفعل.
خطوة مهاجمة السفارة في بغداد قبل أيام من قبل “الحشد الشعبي”، امتداد طبيعي لوجهة النفوذ الذي بناه قاسم سليماني في العراق، وقرار واشنطن قتل الرجل الذي قاتلت إلى جانبه قبل أقل من ثلاث سنوات، بدا كسراً لهذا المسار.
في هذه الأيام، ما زال يعمل بعيداً من الأضواء. لقد نضج سليماني وتحول من قائد عسكري إلى سيد يحرك الدمى القاتلة، معتمداً على ذكاء هادئ وعزم لتعزيز نفوذ إيران الدولي في المنطقة. احترم حلفاؤه ذكاءه وفعاليته والتزامه تجاه بلاده وأدانه منتقدوه بالقدر ذاته.
تعتبر عمليات الاغتيال السياسيّ التي يشتبه في أن السلطات الإيرانية نفذتها خارج حدودها، هي واحدة من أعمدة تثبيت أسُس الحكم، والقضاء على أيّ محاولات لتقويض شرعية “الثورة الإسلامية”.
فيما يلي سير أبرز الشخصيات الإيرانية التي تمّ اغتيالها.
لا شك أن السرية التي يتقن قاسم سليماني ممارستها، تضفي على شخصيته هيبة ومهابة مطلوبتين، لذلك يفضل ألا يفارق حياة الظل، لكن أزمة التهديدات الأخيرة، اضطرته إلى أن يتخلى قليلا عن غموضه وعن الحياة المغلقة التي يعيشها