لا يُعرف لِسُعاد غير مهنة الطهي. ولكن إلى جانب ذلك كانت سُعاد تشتهر بكرم أخلاقها وطبيعتها الليّنة، ولكن شهرتها الأهم تكمن في نفَسِها الطيب في فنون الطبخ وقدرتها العجيبة على صناعة الطعام والتفنّن في تحويله وإخراجه ولوْ من مواد بسيطة وقليلة.
في لبنان، على ما يبدو، هذه الظاهرة تكاد تكون غير موجودة إلا نادراً . وإن ظهرت في بعض الأوقات المتباعدة، فقد كان ظهورها خجولاً وعابراً في المناسبات والأعياد.
بزوال الكِمامة، سنستعيد، نحن الناس، أصالة وُجوهنا وأصواتنا وقلوبنا في الفن رقصاً، غناء، شِعراً، عِناقاً وقُبَلاً. ولكن يبقى السؤال الأصعب مُعلقاً من دون جواب في الوقت الراهن: متى تُزال الكمائم والحُجب عن وجوه الحقيقة?
في تلك الفترة من منتصف الثمانينات كان كرهي للحرب واصواتها المتفجرة قد بدأ يزداد ويتعمَّق، لذا اخذت قراري الحاسم بالرحيل للدراسة في الخارج، وصممت على دراسة الموسيقى كصوت مضاد لكل هذا العنف المتنامي.
لم ينفع تعليم مهارات العزف على الآلات الموسيقية من بُعد كما غيره من العلوم، فلا الصوت يصل نقياً في وقته وإيقاعه الصحيحين، ولا الصورة المنقولة تؤكد الواقع وتجعله واضحاً، ولا حتى التفاعل الكلامي يؤتي ثماره.
حيرتي تحضرني تحديداً عندما يكون العمل الفني المقموع والصادر بِحَقِّهِ قرار بالمنع، عملاً غير جدير بالاحتضان من وجهة نظري الخاصّة ولا يحظى بمستوى الحد الأدنى من الشروط الفنية.
ماذا يعني أن تكون مواطناً في بلد، صُنِّف جباراً واختفى نهائياً عن وجه الأرض؟ وماذا يعني أن تكتشف أن الشيوعية، جنّة البشرية الموعودة، ما هي سوى أضغاث أحلام؟ وماذا يعني أن تكون خريجاً تحمل شهادة جامعية عُليا من بلد لم يعُد موجوداً؟
أكثر من نصف قرن مرَّ على وجود فِرق موسيقية أوركسترالية في بلدان العالم العربي. أوركسترات صغيرة الحجم وأخرى كبيرة، عزفت وتعزف لمختلف الأهواء والاتجاهات. وعلى رغم ذلك، لا نرى أنّ هذا قد ترك أثراً واضحاً وحاسماً. ما دفع بعض الموسيقيين خوض تجربة التأليف للأوركسترا في قوالب موسيقية عالمية معروفة.