كيف تقتنع زوجة معتقل أن تمضي في حياتها وهي تتجاهل حبيباً لا تعرف مصيره؟ كيف تقتنع ابنة أن لديها أباً يعتبرها أهم من نفسه إذا كان غائباً لا تدري هل هو حي أو ميت؟
لقد اهتزّت صورة الهوية السورية في وعينا. فلم نعد ندري من نحن حقاً. حاضرنا محاصر بمحاولات البقاء ومستقبلنا غير مطروح للنقاش. أما ماضينا فما زال حتى الآن الأكثر وضوحاً.
لقد سمعنا تفاصيل مجازر مروّعة حدثت في الثمانينات من فم الناجين وسكتنا وسكت معنا العالم كله، وشهدنا مجازر أخرى خلال السنوات الأخيرة، ونعرف بالاسم مجرمي حرب ولصوصاً وقتلة ومهربين ونتعامل معهم على أنهم جزء من هذا المجتمع العريق.
لقد تجاوزنا مصائبنا اليومية بكل شجاعة، لكننا اليوم على عتبة فقدان مخزوننا الخاص من “الصمود… والتصّدي”. لقد تعبنا. وعندما نحاول عبثاً أن نتذكّر أننا أحياء، نجد أن الموت يلائمنا أكثر.
بعد 11 سنة كابوسية من الحرب الأهلية المسمّاة رسميّاً “الحرب ضد الإرهاب”، تبين أن الكابوس بدأ الآن. ومع استمرار حزب “البعث” في تصدير شعاراته وتوجيهاته، صار الظرف كارثياً وكوميدياً تماماً.
اليوم صار بإمكاننا أن نقول إننا نشارك في حرب عالمية مع “حليفنا الروسي” ولا غضاضة في رفع الأسعار وانتزاع الدعم واختفاء الوقود. ما يهمنا أن تكون الحكومة راضية عن نفسها .
خطاب التحكّم بالأعصاب والتفكير الواعي الذي يغلّف حالة التعامي وتجاهل المصائب التي تنهال على رؤوسنا من كل الجهات لم يعد محتملاً. هناك فرق بين التوعية والتورية.